رمضان بالحي البرتغالي بالجديدة.. عادات أصيلة وتقاليد عريقة

على غرار باقي ساكنة قرى وحواضر المملكة، يحافظ أهالي عاصمة دكالة خلال شهر رمضان الأبرك، على عادات أصيلة وتقاليد عريقة، يحرصون أشد الحرص على التشبث بها، صونا لموروثهم الثقافي والشعبي المحلي.

بالحي البرتغالي أو القلعة البرتغالية، أو المدينة العتيقة أو الملاح (وكلها تسميات لمسمى واحد)، تبدو عادات وطقوس ساكنة هذا الحي التاريخي، الذي تحيط به أسوار سميكة من كل الجهات، متجذرة في الأصالة، بحكم عراقة هذا التجمع السكاني الذي تأسس مع بداية القرن السادس عشر ، ويرتاده الزوار والسياح من كل صوب وحدب ، بحكم احتضانه لدور ضيافة وبزارات تعرض نماذج عدة من المنتوجات التقليدية القديمة والحديثة .

طقوس رمضان بهذا بالحي التاريخي تختلف عن غيره من أحياء المدينة، بحكم تشبث أهاليه بالعديد من التقاليد القديمة ذات الصلة المتوارثة أبا عن جد. تقول الحاجة أمينة جبران وهي سيدة في الرابعة والثمانين من عمرها، إنها عاشت بالحي البرتغالي ولا زالت متمسكة بالإقامة به، رغم أن أفراد عائلتها، استقلوا عنها وفضلوا العيش في فضاءات أخرى .

وتابعت ” كنت ولا زلت أحضر لوازم رمضان بنفسي، ورغم تقدمي في السن، أحرص على ألا أقتني المأكولات من السوق، حيث تعينني ابنتي في تحضير الخبز بالقمح والشعير و”البغرير” والمسمن والبطبوط وغيرها من المأكولات التي اعتدنا عليها منذ أكثر من 60 سنة”.

وتضيف الحاجة أمينة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بالمناسبة ” اعتدنا على تحضير أطباق سمك السردين بأشكال مختلفة، منها المقلي والمشوي والمطبوخ، كما نحرص على إعداد شربة الحريرة يوميا، مع إرفاقها بشرب البن المصنع محليا والذي نضيف إليه أعشاب طبيعية خاصة لتنسيمها “.

ومن خلال تجاذب أطراف الحديث مع الحاجة أمينة المنحدرة من منطقة أولاد افرج، يتبين أنها لا تزال تحافظ على طريقة الطهي التقليدية، تقول السيدة ذاتها مسترسلة ” في السابق لم تكن لدينا أسطوانات غاز وكنا نحرص على الطهي بواسطة الطاجين على الفحم، ونرسل طبق السمك ، للطهي في فرن الحي، الذي يعطيه نكهة خاصة”.

ورغم أن الحاجة أمينة، بدت سعيدة بالحديث عن طقوس ساكنة الحي خلال هذا الشهر الفضيل، إلا أنها في المقابل، أبدت امتعاضها من تفشي بعض العادات الدخيلة على أهل الحي في السنين الأخيرة، بعد تنامي ظاهرة اقتناء المأكولات الجاهزة من السوق، وهي برأيها ستسهم في اندثار عادات اهالي الحي المتوارثة منذ زمن.

وتتذكر الحاجة أمينة بفخر واعتزاز، وهي تستعرض أصناف الأطباق التي تتقن تحضيرها ومنها طبق السردين ب”المساخن” والسردين “كواري” وشريكات”، فضلا عن إعداد “البغرير”، حيث تستعمل “صفيحة زليج” وتقوم بدهنها بالصابون البلدي قبل تنظيفها وهي طريقة تساهم على حد قولها في جعل “البغرير” طازجا وسهل الهضم.

ولا تخلو أي مائدة لدى أهالي الحي من طبق السردين المشوي على الفحم والذي يزداد الإقبال عليه بشكل كبير في رمضان. كما يفضل كبار السن بعد أداء صلاة التراويح ، قبل كورونا ، السهر بالأزقة الضيقة لتبادل أطراف الحديث في أمور الدين والدنيا، سيما وأن بعض أبناء الحي، الذين يمارسون التجارة، أدخلوا تحسينات على محلاتهم وباتوا يستغلونها كمقاهي شعبية متخصصة في تقديم الشاي بالنعناع .

ويشتهر الحي البرتغالي باحتضانه لعدد كبير من الأسر الجديدية العريقة، التي لا زالت متشبثة بالعادات والتقاليد الغابرة ومنها صلة الرحم وتبادل الزيارات العائلية وتنظيم أمسيات رمضانية دينية وتقديم مساعدات إحسانية للمعوزين.

كما يحرص أبناء الحي ذاته كل شهر رمضان على تنظيم دوريات في كرة القدم، وتنظيم جلسات سهر ليلية بمحيط الأبراج ، مع الاستمتاع بشرب القهوة الساخنة الممزوجة بالأعشاب. كما يلجأ العديد منهم لتمضية الوقت، إلى ممارسة رياضة الغوص والسباحة من فوق الأسوار، والتردد على “المون” وهو الحاجز الإسمنتي الفاصل ما بين البحر والميناء بهدف السباحة وممارسة هواية الصيد بالقصبة.

قبل سنوات، قبيل تفشي جائحة كورونا، عرف الحي انتعاشة ثقافية وفنية بعد افتتاح قاعات للعروض، ومنها قاعة الشعيبية طلال، الفنانة التشكيلية المنحدرة من منطقة هشتوكة وقاعة عبد الكبير الخطيبي ومسرح الحي البرتغالي، الذي استقبل فرقا مسرحية وندوات فكرية اهتمت بذاكرة دكالة بشكل عام والحي بشكل خاص.

وفي هذا الصدد، يتذكر إبراهيم القلعي وهو من أبناء الحي البرتغالي ايضا، ذكرياته الجميلة متحدثا عن طفولته وارتباطها بشهر رمضان .. يقول “رغم أني غادرت الحي للعيش خارجه، فإنني أحرص على العودة إليه لأني أجد فيه ما أفتقده في غيره”.

ففي الحي ، يضيف ،” أحس أني وسط أصدقائي وأهلي، لأننا نشأنا كأسرة واحدة، كنا كإخوة نتعلم من بعضنا البعض ونتعاون في كل أمور الحياة. كما أن الحي لا زال يحتفظ بخصوصياته المرتبطة بشهر رمضان، فيكفي أنك بعد ولوجك إليه، تشم نكهات رمضان المختلفة المتمثلة في الحريرة وشي السردين والحلويات (الشباكية والمخرقة) والتمور والشريحة”.

وأردف قائلا، “رغم ان الحي شهد تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، بسبب انتشار الأكشاك ومحلات تقديم المأكولات الخفيفة ودكاكين بيع مشتقات الحليب والملوي والحلويات إلا أن ساكنته مازالت متشبعة بموروثها الثقافي “.

في المقابل، يؤكد القلعي تنامي سلوكيات دخيلة على ساكنة الحي وهي تفشي مظاهر التبذير والاستهلاك المفرط خلال شهر رمضان، إذ حسب قوله، “لا تخلو حاويات القمامة والنفايات من أكوام كثيرة من المأكولات الضائعة، بخلاف ما مضى، حيث كانت ربات البيوت بالحي يحسن تدبير استهلاك أسرهن ويطبخن الأكل بقدر كاف ومعقول”.

ومهما يكن من أمر فإن شهر رمضان لدى ساكنة الحي البرتغالي، يبقى في كنهه الرمزي ايضا مناسبة لتلاقي الأهل والأحباب وإشاعة روح المودة والتأخي والتآزر والتعاضد، وتعزيز قيم التسامج والانفتاح على الآخر.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...