التجارة الالكترونية و المستهلك أية حماية ؟


دبيش ياسمينة
باحثة بسلك الدكتوراه كلية الحقوق السويسي –الرباط-

أصبح العالم في الوقت الراهن يعيش على وقع ما يعرف بفيروس كورونا المستجد الذي جاء وشل حركة جميع القطاعات
و أوقف عجلة الاقتصاد، و ألزم الأشخاص جميعا المكوت في مساكنهم، الشيء الذي كان معه من الضروري و من أجل قضاء أغراضهم و حوائجهم إيجاد وسائل من شأنها أن تسهل حياتهم اليومية وتوفر لهم احتياجاتهم ، و تقيهم من تبعات هذا الوباء، ومن هنا كان اللجوء إلى ما يعرف بالتجارة الالكترونية أو عمليات البيع و الشراء عن طريق منصات التجارة الالكترونية، و التي هي بالأساس موجودة منذ القدم إلا أن استعمالها كان بشكل محتشم نوعا ما، غير أن الظرفية الحالية فرضت على الأشخاص الإقبال على استعمالها و بشكل كبير،
وحيث إنه و بالنظر إلى الأهمية التي تعرفها التجارة الالكترونية و وعيا من المشرع بأن حماية للمستهلك الالكتروني من شأنه أن يعزز و بشكل كبير ثقته في هذه المنصات الرقمية، ،عمد إلى إصدار قانون 08-31 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك، و كذا القانون 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، و التي من خلالها حاول توفير الحماية و إقرار نوع من التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية ألا و هما المستهلك و المورد،
أ‌- أوجه الحماية المقررة من خلال القانون 08-31
كما هو معلوم فالمستهلك و إبان قيامه بعملية التعاقد بشكل إلكتروني، فهذا الأخير يؤسس قناعاته بناء على ما هو موجود على المنصة الرقمية للمورد، و بالتالي فإن المستهلك يكون له فقط تصور افتراضي غير واضح عن الشيء المبيع، و لهذا السبب فإن المشرع و من خلال القانون 08-31 ألزم البائع و قبل إبرام أي عقد الكتروني بضرورة إعلام المستهلك بمجموعة من البيانات و المتمثلة في التعريف بالخصائص و المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة المعروضة على المستهلكين، اسم المورد و كافة بياناته، و كذا الآجال المحددة للتسليم و كيفية الأداء، دون نسيان الإخبار بمدة صلاحية العرض و ثمن الخدمة أو السلعة ، هذا و يتعين أن تبلغ المعلومات السالفة الذكر بصورة واضحة و مفهومة للمتلقي و ملائمة للتقنية المستعملة عن بعد مع تأكيد العقد على دعامة دائمة أو بطريقة مكتوبة حتى يكون المستهلك على بينة و اختيار من أمره، و في حالة عدم الإدلاء بالبيانات السالف ذكرها فإن المستهلك يكون غير ملزم بإكمال عملية التعاقد.
و حيث إنه بالرجوع إلى المادة 32 من نفس القانون نجد أن المشرع أوجب على المنصات الالكترونية و بعد إتمام عملية التعاقد تأكيد المعلومات و الشروط المضمنة في العقد الالكتروني إما على دعامة الكترونية أو كتابة، و ذلك قصد اطلاع المستهلك عليها قبل النقر على زر القبول، وحتى يتمكن المستهلك من الاحتفاظ بدليل العناصر الأساسية للعقد الذي أبرمه بصورة الكترونية حتى يتمكن له الرجوع إليه عند الحاجة في حالة نشوب نزاع للإدلاء به أمام الجهة القضائية المختصة،
إن التدابير التي فرضها المشرع المغربي لم تقتصر فقط في الإعلام بل أن القانون 08-31 أعطى المستهلك مكنة من الأهمية بمكان و هي حق الرجوع أو العدول، أي أن المشرع و بعد تلقيه للسلعة أو البضاعة المتفق عليها يمكنه أن يقوم بإرجاعها للمورد ،و بإرادة منفردة دونما حاجة إلى موافقة البائع أو المورد ، أو اللجوء إلى أي مساطر قانونية أو قضائية من أجل تفعيل هذا الحق.
و لعل الغاية من إقرار الحق في العدول الانفرادي كون أن المستهلك لا تكون له أية إمكانية فعلية أو علاقة مباشرة مع الشيء المبيع من أجل معاينته بشكل ملموس و الاطلاع على مختلف خصائصه قبل عملية التعاقد بالتالي من الممكن أن يكون لا يستجيب لمستوى تطلعاته، وليس من شأنه أن يفي بالغرض المبتغى.
ب‌- أوجه حماية المستهلك من خلال القانون 08-09
مما لا يختلف فيه اثنان أن أية عملية تتم عبر منصات التجارة الالكترونية تفرض بداهة استخدام المعطيات الشخصية للمستهلك،( الاسم الكامل، العنوان، رقم الهاتف، البريد الالكتروني، و في بعض الحالات البطاقة البنكية…) هذه المعلومات و البيانات يتم استقبالها من قبل المسؤول عن عملية التعاقد حتى تخضع لنظام التجميع و المعالجة و التسجيل في إطار ملفات معلوماتية قصد إتمام عملية التعاقد بالشكل المطلوب، غير أنه و في بعض الأحيان قد يتم إعادة استعمال هذه البيانات من قبل نفس المنصة الالكترونية أو من طرف غيرها بغرض ترويج و عرض خدمات أو سلع أخرى،
وحيث إن هذا الأمر ما كان ليغفل المشرع عليه لهذا السبب جاء لنا بقانون رقم 08-09 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، و الذي أقر جملة من التدابير و الالتزامات الصارمة على مواقع التجارة الالكترونية، بحيث فرض ضرورة الإعلام و الإخبار المسبق للمستهلك بتجميع و معالجة معطياته الشخصية، و لهذا الأخير كامل الحق في الموافقة أو الاعتراض على ذلك،فضلا عن أن له الحق في تعديلها وفقا لما جاء في المادة 3 من القانون المذكور سابقا.
وحيث إنه في حالة قبول المستهلك استخدام معلوماته فإنه يتعين على المسؤول عن نظام المعالجة في مواقع التجارة الالكترونية ، و قبل القيام بأي عملية تمحيص للبيانات أو المعلومات المتعلقة بالمستهلك أن يقوم بإخبار اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي و التي تسهر على احترام الحريات و الحقوق الأساسية للأشخاص الذاتيين تجاه معالجة معطياتهم ذات الطابع الشخصي،
وفي نفس السياق نجد المقتضيات القانونية عززت حماية المعطيات الشخصية للأفراد و ألزمت على المسؤولين عن عمليات المعالجة بأن يتخذوا كافة الإجراءات التقنية قصد حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي التي تكون عرضت للتلف أو الاستعمال غير ، ومن هنا كان لزاما على المسؤول عن عملية المعالجة الالكترونية أن يقوم بإرسال المعطيات عبر شبكة معينة حماية لها من الضياع و الحيلولة دون ولوج أي شخص غير مأذون له إلى نظم معالجة البيانات و القيام بأي نسخ أو تعديل أو تحريف لهذه البيانات.
و بالإضافة إلى الآليات التي سنها المشرع من خلال القانونين 08-31 المتعلق بتدابير حماية المستهلك و كذا القانون 08-09 نجد أن المشرع المغربي ، قد أفرد مقتضيات زجرية من أجل الضرب بيد من حديد لكل من خولت له نفسه الإخلال بهذه المقتضيات القانونية، إلا أن التساؤل المطروح في هذا الصدد عما إذا كانت هذه التدابير الحمائية ما زالت تساير التطورات التي تعرفها التجارة بشكل عام و التجارة الالكترونية بشكل خاص خصوصا و إن علمنا عدم التزام منصات التجارة الرقمية بالتدابير القانونية المنصوص عليها في القانونين 08-31 و 08-09؟

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...