في الحديث عن التقائية السياسات العمومية

عبد الواحد بلقصري – القنيطرة

يعتبر مجال السياسات العامة حديثا وهاما، في علم السياسة، فهو أداة هامة لتقييم وتقويم أداء النظام السياسي وفعاليته، إذ أنه لا يكتفي بدراسة مضمون السياسة، وانما يتطرق إلى كيفية صنعها وتكلفتها وبدائلها وكيفية تنفيذها والمطابقة بين أهدافها المعلنة والنتائج العملية للتطبيق، ويدخل في ذلك تحليل الأثار المتوقعة من تنفيذ سياسة ما.

صناعة السياسات العمومية في المغرب :

إن ما يميز فرع مجال السياسات العامة ضمن محددات ارتباطه بحقل علم السياسة، هو سعيه الدائم إلى تناول الدولة انطلاقا مما يصدر عنها من أفعال وأعمال، أي من خلال تناول المدخلات والمخرجات المؤثرة في السياسات العمومية وفي عمليات صناعتها وتنفيذها وتقييمها، وتتبع عوائدها من خلال تناول المدخلات والمخرجات المؤثرة في السياسات العمومية وفي عمليات صناعتها وتنفيذها وتقييمها، وتتبع عوائدها من خلال ما تحدثه من تغيير وأثار على المجتمع وحياة الأفراد.*1*

وإذا كان سؤال” ادماج” السياسات العامة ضمن علم السياسة مازال مطروحا الى حدود اليوم، فإن الأكيد أن السياسات العامة تأثرت في مراحل تطورها بمختلف القفزات النوعية التي حققها هذا العلم، خاصة مع ذلك الجديد الذي أتت به الثورة السلوكية في حقل العلوم الإنسانية، وكذلك الفكرة التي يراد التأسيس لها حول الدور الجديد للدولة، الذي باتت تمليه ظروف المرحلة الراهنة، وتوسيع مجال تدخلها ليشمل قضايا اوسع تدخل في نطاقها قضايا مثل البطالة، حقوق الانسان، المجتمع المدني… الخ، بعد أن كان تدخل الدولة ولزمن طويل محورا لتحقيق الأمن والدفاع عن السيادة الوطنية، وهو ما جعل برنامج الحكومة المتضمن للسياسة العامة للدولة يتسع ليشمل مجالات كانت بعيدة كل البعد عن اهتمام رجل سياسة.

لقد ساعدت السياسات العامة ضمن المنظور الجديد لعلم السياسة، والذي ظهر بصيغته الحالية في الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، باعتباره علما جديدا مستقلا عن التراث المتراكم حول السياسة، من خلال أدوات اشتغاله كالجمع الممنهج للمعطيات، وتجريب الفرضيات على المعطيات، وتحويل المعرفة بالسياسة بمفهومها الكلاسيكي الى معرفة تهدف الى فهم السلوك السياسي والبحث الممنهج في أسبابه ومرجعيات بنائه، عواض الاقتصار كما كان الأمر في السابق على الدراسات الوضعية للمؤسسات والنصوص، وتقديم افتراضات حول الشأن السياسي لا تتأسس على تجميع المعطيات المادية فقط، بل هو في هذه الصيغة المسبوقة يقترب من شروط العلوم البحثة في قدرته على التوصل إلى قوانين حول السلوك السياسي، بما يسمح ليس فقط بمعرفة حقيقة السلوك في الحاضر، بل أيضا بالتنبؤ بمستقبله.*2*

وهكذا تبدو جليا أهمية العلاقة التفاعلية التي تجمع السياسات العامة بعلم السياسة، وبمكوناتها المفاهيمية، فالسياسات العامة باعتبارها علم الدولة في حالة فعل أو نشاط ( l’état en action)، تبقى الفروع الأكثر أهمية في إطار حقل علم السياسة، فاذا كانت الدراسات الكلاسيكية في مجال هذا الحقل قد إهتمت بالسلوك السياسي (le comportement politique)، فإن السياسات العامة politique public حاولت الاهتمام بجوانب حديثة وضعت سؤال التدبير العام (management public) ، ضمن مرحلة جديدة أسست مرحل تطورها مختلف القفزات النوعية التي حققها هذا العلم. *3*

لقد جعلت كل هذه المعطيات السياسة العامة تشهد دفعا جديدا في محتواها وفواعلها، وأصبحت تناقش مواضيع متنوعة تصنع من طرف فواعل كانوا سابقا من “جمهور” السياسة العامة، لم يكن لهم اي يد في صناعتها او تنفيذها، خاصة اثناء المرحلة التقليدية حيث كان التركيز كله منصبا على مؤسسات الدولة، التشريعية، القضائية، والتنفيذية، التي كانت تتولى وحدها مهمة صنع وتنفيذ السياسة العامة.

كما ساهمت التحولات الكبرى التي شهدها القرن العشرين وخاصة فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وظهور فواعل جديدة، في ارتفاع الاصوات المطالبة بضرورة اقحام الدولة في مختلف المجالات، ما جعل السياسة العامة وعملية صنعها على درجة من التشعبي والتعقيد، نتيجة الأدوار المتعددة للدولة والهادفة الى تخطيط وتنظيم كافة جوانب الحياة في المجتمع، فأصبحنا نتحدث عن سياسة عامة: الصحة، التعليم، الاسكان، الاقتصاد، الرعاية الاجتماعية، البيئة…الخ.*4*

وهكذا اصبحت دراسة السياسات العامة وتتبع مراحل قيامها، ضرورة تفتضيها اعتبارات علمية، مهنية (إدارية) وسياسية، وهو ما عبر عنه “توماس داي” Thomas Dye في كتابه ” “Under standing public policy” بالقول ان هناك ثلاث اسباب لدراسة السياسة العامة حددها في :

-أسباب علمية بحثه: وهذه تتيح فهم اسباب ونتائج القرارات السياسية لتعميق المعرفة بالمجتمع والمجتمعات الاخرى.

-أسباب مهنية: بمعنى أن دراسة السياسة العامة توفر الباحث السياسي امكانية توظيف معارفه في حل المشكلات العلمية، اذ يغلب ان تخلص هذه الدراسات إلى توصيات بشأن ماهية السياسة الملائمة لتحقيق الاهداف المبتغاة.

– أسباب سياسية: وهنا ينصرف هدف الدراسة إلى التأكد أن الدول تتبنى الأفضل من السياسات لتحقيق الاهداف العامة، فكثيرا ما يتردد ان علماء السياسة ملزمون بتطوير السياسة العامة واثراء النقاش السياسي.*5*

في الحديث عن مفهوم الالتقائية :

الالتقائية مفهوم تم استعماله في القرن 18 في لغة العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية ويهدف إلى تحقيق التواصل وربط العلاقات وتوحيد الآراء والأفكار،الالتقائية هي إحداث التقارب فيما بين المناطق والشعوب من اجل تحقيق هدف معين وواحد في الحياة , وكذلك تقارب الأفكار والقوى.

الالتقائية كالتنسيق الهادف إلى تامين انسجام الأنشطة المختلفة بهاجس تحقيق الفعالية
أما بالنسبة للتعريفات المسندة للالتقائية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فهي كالتالي:

الالتقائية هي احد ى مقومات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
– الالتقائية كعنصر أساسي في تسريع انجاز مشاريع محاربة الهشاشة والفقر*6*

– الالتقائية تشكل رافعة لتحقيق الاندماج بين المجهودات القطاعية سواء في المدن أو القرى.

إذن , وأمام هذا التعدد ألمفاهيمي , يمكن أن نعرف الالتقائية بتقنية تتوخى ربط علاقة بين عدة مراكز لاتخاذ القرار( مصالح خارجية – جماعات ترابية – مجتمع مدني …الخ), والتي تتدخل في مجال متقارب أو متطابق في أفق تطوير جودة العمل التنموي المشترك من خلال المشاريع والبرامج المنجزة والمرتقب انجازهاعلى المستويين المحلي والوطني بغية الخروج ببرنامج ومشروع واحد , متكامل ومندمج ومنسجم وذو نتائج إيجابية.*7*

ذلك أن أهمية الالتقائية والهدف منها يتجلى في التنسيق بين المشاريع القطاعية وبين المشاريع المزمع انجازها من طرف النسيج الجمعوي في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبين الجماعات المحلية بغاية خلق تناسق تام فيما بين المشاريع انطلاقا من حاجيات الساكنة.

مما سبق نستنتج أن المغرب خطى خطوات مهمة في المجال التشريعي لترسيخ سياسات عمومية معقلنة ،حيث أن إرساء مشاريع تنموية ذات أثر اجتماعي عللى المجتمع يتطلب تنسيق محكما وتدخلات عمومية تعد الالتقائية أهم مقوماتها ،بالإضافة إلى ترسيخ ديمقراطية تشاركية فعالة على أرض الواقع كا حددها دستور 2011وكما تم تحديد بنوذها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية .

حيث إذا كانت المقاربات التي كانت ترتكز عليها السياسات العمومية تنبني على غياب التنسيق بين الجهات المهتمة بالنظر إلى عدة اعتبارات لعل أهمها :*8*

الاعتبار رقم 01: عدم استقلالية المصالح الخارجية في اتخاذ القرارات (البرمجة المالية )
الاعتبار رقم 02: عدم وجود ضمان الاستمرارية للبرامج المسطرة مسبقا .

الاعتبار رقم 03: عدم إقرار سياسة مجالية وتدبير مجال مندمج مبني على تقطيع ترابي يراعي العدالة المجالية .

الاعتبار رقم 04: عدم ملائمة القدرات والكفاءات البشرية المتوفرة مع طبيعة المشاريع التي تم اقتراحها .

ولتجاوز هاته الاكراهات هناك العديد من المقترحات لعل أبرزها مايلي :

1 – وضع اللاتركيز في مقدمة الأولويات ضمن برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية .

2- تكريس العدالة المجالية ومحاربة التباينات المجالية بين الجماعات الترابية والإقليمية والجهوية.

3- تفويض مزيد من الصلاحيات والاختصاصات للمصالح الخارجية .

4- جعل برامج عمل الجهات والأقاليم والجماعات الترابية قاطرة لتحقيق التنمية المحلية عبر العمل على مبادى تنبني على التسويق الترابي والذكاء الترابي .

5- استثمار الجامعة وبحوثها العلمية في تجويد التدخلات التنموية عبر المساعدة في بناء تشخيصات مجالية ودراسة أثر مختلف السياسات العمومية بالإضافة إلى جعل مختبرات البحث متاحة لمختلف الفاعلين المحليين من أجل استثمار مجالات بحثهم في الرفع من مؤشرات التنمية البشرية .

6- توظيف مختلف الكفاءات والموارد البشرية في تحسين وتجويد مختلف التدخلات التنموية للدولة ومؤسساتها العمومية.

جريدة إلكترونية مغربية

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...