قانون الإرث بالمغرب.. “الالتفاف” يستدعي تغييرا “جديا”

خلصت دراسة مغربية جديدة إلى أن توزيع الإرث لا يزال قضية حساسة في البلاد بعدما أظهرت أن نسبة كبيرة من المغاربة يعارضون تعديل قانونه، فيما يقر مراقبون أن تحقيق “المساواة” في الإرث بين الرجال والنساء لا يزال بعيد المنال.

والخميس، صدرت دراسة جديدة أعدتها “جمعية النساء المغربيات من أجل البحث والتنمية”،  بشراكة مع “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان” خلصت إلى أن 82 في المئة من المغاربة ضد كسر قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين”.

وخلقت نتائج الدراسة جدلا ليس الأول من نوعه، إذ سبق لمنظمات حقوقية أن طالبات بتغيير القانون، فيما تستعد منظمات إلى توسيع النقاش العام حول القضية قبل رفع خلاصتها إلى البرلمان والمجلس العلمي الأعلى للنظر في القضية.

المحللة والباحثة المغربية، شريفة لومير، تقول في حديث لموقع قناة الحرة إن “نقاش قانون الإرث ليس بالنقاش الجديد في المجتمع المغربي، فمنذ سنوات بدأ هذا النقاش، لكنه كان دائما ما يصطدم برفض الخروج عن التعاليم الدينية”.

وتستدرك بلومير في حديثها مع موقع “الحرة” بالتأكيد على أن الوضع تغير اليوم، وتوضح “لكن أعتقد أننا اليوم في واقع يفرض هذا التعديل، خاصة أن نسبة النساء المعيلات لأسرهن بالمغرب تمثل 20 في المئة اليوم وبالتالي من الضروري العمل على إنصاف هذه الفئة”.

وخلصت الدراسة إلى أن أغلب المغاربة يرفضون تغيير قانون الإرث الذي يعتمد الشريعة الإسلامية، ويمنح الذكر ضعف ما يمنحه للأنثى.

وتغيرت ظروف العيش واقتحمت المرأة سوق العمل، فالمرأة باتت بالقدر ذاته من المساواة مع الرجل، من حيث العمل والمردودية، وفق الباحث المغربي، عز الدين بوركة.

ويقول لموقع “الحرة” إن “الإرث جزء من تحقيق المساواة وملامسة أثر الديمقراطية على أرض الواقع، حيث يتم إلغاء كل الفوارق بين مكونات المجتمع: الذكور والإناث”.

ويتابع الباحث “لا يعقل في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعاصرة، أن تظل فئة تحتكر امتيازات دون أخرى.. فالمرأة باتت بالقدر ذاته من المساواة مع الرجل، من حيث العمل والمردودية.. لهذا لا يعقل أن نحتكم لأحكام راعت المجتمع القديم الذي نزلت فيه”.

وذكرت الدراسة بعنوان “نظام الإرث في المغرب.. ما هي آراء المغاربة؟”، أن 86.6 في المئة من المستجوبين أكدوا أنهم يعرفون قواعد نظام الميراث؛ 90.4 في المئة منهم في الوسط الحضري، و79.5 في الوسط القروي.

وأكدت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في الجلسة الافتتاحية لندوة قُدمت فيها نتائج الدراسة أن هذا النظام “ما زال حاملا لعدد من مظاهر التمييز وعدم المساواة تجاه المرأة، من صُوَرها نظام التعصيب، والقيود المفروضة على الوصية، وهو ما يحد بشكل قوي من ولوج النساء والفتيات إلى الأرض والثروات، وجعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة”، وفقا لما نقله موقع هسبريس المغربي.

وترى الباحثة لومير أن “الإرث تاريخيا لم يبق على الشكل الذي كان عليه في الفترات الأولى للإسلام، بل خضع لتعديلات واجتهادات أملتها ظروف تغير المجتمع، لذلك اليوم نحن بحاجة إلى الوقوف بجدية في هذا الموضوع بما يتلاءم مع المصلحة العامة”.

ومنذ دستور 2011، الذي اعتمده المغرب بعد حركة الربيع العربي، تعالت مطالب الحركة النسائية ومنظمات حقوق الإنسان بتعديل مقتضيات مدونة الأسرة ورفع التحفضات ضد حقوق النساء.

يرى الباحث بوركة أن “أي تغيير لابد له من إرادة سياسية قوية تفرضه على أرض الواقع”.

وشبه بوركة ما يحصل “بقضية المدونة الأسرية التي تم رفضها في تسعينيات القرن الماضي، لكن بفعل الإرادة السياسية الجديدة تم فرض المدونة”.

ويشرح أن “الفرض هنا لا يعني إعلاء فئة دون أخرى، لكن أن تتم مراعاة الأقليات لكل تنوعها، حيث يسود قانون يجري على الكل ويضمن حق الكل لا يراهن لأيديولوجية فئة معينة”.

الدراسة تكشف “التفافا” على توزيع الإرث

وأظهرت الدراسة أن عددا من المغاربة يلجؤون إلى “الالتفاف” على قواعد اقتسام الميراث المعمول بها حاليا لحصر توزيعه على أفراد الأسرة المقرّبين مباشرة.

وأفاد 76.5 في المئة من المستجوبين بأن الحل الذي يتم اللجوء إليه هو “البيع الصوري”، وقال 7.9 في المئة إن “الملتفّين” على القاعدة المذكورة يلجؤون إلى “الهبَة”، وتأتي “الصدقة” في الرتبة الثالثة، بحسب رأي 4.1 في المئة من المستجوبين، وفقا لما نقله موقع “هسبريس“.

وفيما يتعلق بتدبير المتوفى لتركته قبل الوفاة، يؤيد 60.4 في المئة إعطاء الأولية للوصية، باعتبار أنها تعطيه الحرية في تدبير تركته قبل الوفاة، وتصل نسبة مؤيدي هذا الطرح إلى 62.3 في المئة في العالم القروي، و59.4 في المئة في العالم الحضري، بحسب الدراسة.

وترى لومير في هذا “الالتفاف” سببا للتغير، وفي حديثها للحرة تقول: “الأكيد أن لجوء نسب مهمة  من الأسر إلى اعتماد حلول بديلة من قبيل الإجراءات القانونية كبديل لقانون الإرث بالمغرب خير دليل على ضرورة فتح نقاش جاد وموضوعي بمقاربة جديدة في شأن تعديل قانون الإرث بالمغرب”.

ويعد الإرث موضوعا حساسا بالمملكة، ولايعتبر النقاش حوله جديدا، إذ سبق أن وقع أكثر من مئة مثقف مغربي قبل سنوات عريضة تدعو إلى إنهاء ما اعتبروه تمييزا ضد المرأة في قوانين الميراث.

ودعوا إلى إلغاء قاعدة “التعصيب” في الإرث التي اعتبروها “ظالمة” للمرأة. والإرث بالتعصيب أمر تقديري وليس مثل الإرث بالفرض المحدد بالنص.

شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...